د. نصر بسيونى يكتب: الإمارات …معجزة النحل وشجرة السدر
الباحث بقسم بحوث النحل معهد وقاية النباتات مركز البحوث الزراعية ومؤسس جروب النحالة المصريون
منذ سنوات جلسنا مجموعة من المهتمين بتربية النحل من مختلف البلدان العربية لتكوين كيان عربى مهتم بتربية النحل و كانت النقطة الأولى التي تحاورنا فيها هي المقر الرئيسى للجمعية وعرض كل منا بلداً عربياً لتكون مقراً للجمعية وتناقشنا فيها ولكن واجهتنا في الأختيار مشاكل آخري وهي ان هذه الدول التي عرضت الأستضافة لم تكن مستقرة لا سياسيا ولا إقتصادية ولا قانونيا أو دول غير مهتمة بالنشاط الزراعى أو بلدان بها قوانين تعوق تشكيل مثل هذا الكيان و أخرى بها العديد من القوانين و القرارات التي تعيق تربية النحل وتجارة مستلزماته.
وأستقر الرأي في النهاية على دولة الأمارات… لماذا؟
لاننا عرضنا الأمر على المسئولين بدولة الأمارات فوجدنا ترحيباً كبيراً بالأمر وموافقة على أشهار الكيان بمسمى “الجمعية العربية لتربية النحل” على أن يتم ذلك خلال معرض أبوظبى الدولى للأبتكارات الزراعية و الذى يعرض بصفة دورية كل عام بابوظبى بحضور كبير من مختلف دول العالم.
لكن واجهتنا مشكلة أخرى وهى التمويل المطلوب لحجز القاعة المخصصة وهو أكبر من أمكانياتنا كلنا ولكن تقدم سمو الشيخ سالم بن سلطان القاسمى حفظه الله وهو هاوى لتربية النحل وله شركة تعمل في نفس المجال بسداد المبلغ المطلوب وتتطوع بتوجيه الدعوة للمسئولين عن أفتتاح المعرض لزيارة جناح الجمعية وأشهار تكوينها و التغطية الأعلامية اللازمة لذلك.
وبالفعل فوجئنا بحضور العديد من الوزراء و المسئولين لجناح الجمعية وكم كانت سعادتنا غامرة بهذا الأفتتاح و الأشهار العالمى وخلال هذا العام 2019 عقد المؤتمر و المعرض الثانى للجمعية بأبوظبى وسط مشاركة أكثر من 50 شركة عارضة لمنتجاتها من مختلف دول العالم.
ووسط حضور جماهيرى كبير من مختلف الدول العربية و العالمية أيضا ومتزامن أيضا مع أجتماع أتحاد النحالين الأسيويين ويتفضل سمو الشيخ سالم للعام الثانى على التوالي بالتبرع بعدد من الجوائز المالية القيمة لأفضل الأبحاث و المعروضات و المنتجات المختلفة كما وفرت الشركة المنظمة العديد من الدعوات المجانية لعدد من المشاركين بالمؤتمرات العلمية و المعرض.
كل هذا يعود بى للسؤال الرئيسى (لماذا الأمارات ؟) تعتمد دولة الأمارات على مياه الأمطار و محطات تحلية المياه المالحة وبعض الأبار الجوفية كمصدر لمياه الشرب و الزراعة ورغم هذا تتميز الدولة بأنتشار اللون الأخضر في كل شوارعها تبنت الدولة مشروع زراعة 10ألاف شجرة سدر بالشوارع و بالفعل تم زراعتها خلال عام واحد ثم تبنت الدولة مشروع زراعة 100ألف شجرة سدر وبالفعل كاد يتم زراعتها وكلها أشجار مزهرة و ومثمرة و ينتج منها عسل السدر و الذى يعتبر من أجمل الأعسال بالعالم.
ليس هذا فحسب، ولكن تنتشر بالصحراء أشجار السدر البرية و أشجار الغاف و أشجار السمر و التي تنتج أغلى الأعسال (كيلو عسل السمر الأماراتى حوالى 500 درهم أماراتى) كما تمنع الدولة قطع هذه الأشجار وتشجع على زراعتها ويكفى أن تسير على الطريق بين أبوظبى و دبى (حوالى 200 كيلومتر) لتشاهد أن هذا الطريق تحول خلال أعوام بسيطة لواحة خضراء بسيطة من الأشجار المزهرة التي يجمع منها النحل العسل حتى أصبحت دولة الأمارات دولة مصدرة للعسل وتسعى لتكون مصدرا للنحل نفسه.
تمتلك الأمارات أكبر وأفضل جهاز للرقابة على البيئة والأغذية بالعالم يراقب منتجات النحل و يحللها ويستبعد المخالف منها ويتم أعدامه كما لايسمح بدخول علاجات النحل الى الدولة ألا المتطابق مع المعايير التي تضعها أكبر الدول بالعالم ولكن كل هذا لايأخذ أكثر من أيام وربما ساعات لتحصل على الموافقة المطلوبة.
مدينة أماراتية صغيرة تسمى (حتا) تقع على الحدود العمانية وتتميز بجمال الطبيعة و الجبال وخزانات مياه الأمطار بالجبال مع توافر جميع الخدمات الحديثة بها قررت هذه المدينة من سنوات أن تكون مقصدا لكل مربى النحل بالعالم فأقامت معرض للعسل بدار المعارض بها وكان الحضور و العرض مجانيا ويكفيك فقط أن تقدم طلب للحصول على مكان لعرض منتجاتك وأن تحصل على تحليل لجودتها وصلاحيتها للأستهلاك فيتسابق العارضون و المستهلكون لثقتهم في جودة المعروضات ويتم أفتتاح المعرض بحضور مسئولي الدولة ووسائل الأعلام وبالتغطية التلفزيونية.
أقيم في مدينة حتا حديقة خاصة بالنحل يقصدها طلاب المدارس و الجامعات و المواطنين في رحلات ليشاهدوا كيف يتم تربية النحل وماهى النباتات المزهرة التي يجمع منها النحل الرحيق و حبوب اللقاح و كيف يحافظ المواطن العادى عليها تشترط دولة الأمارات في كل من يرغب في تربية النحل أن يجتاز دورة تدريبية علمية عن نحل العسل و كيفية تربيته ومقاومة امراضه.
رغم سماح الدولة باستيراد النحل من الخارج ألا انها تهتم في الوقت نفسه بتنمية النحل الأماراتى المحلى (هو نحل بين اليمنى و العمانى) وتحسين سلالته ويتم توزيع الملكات المحسنة سنويا على المربين و من أجل ذلك خصصت الدولة ملايين الدولارات لتغطية النفقات و جلب العلماء المتخصصين من دول العالم لتنفيذه وعقد المؤتمرات التي يتم بها مناقشة تلك النتائج كل هذا و أكثر جعل دولة الأمارات العربية دولة سباقة في مجال تربية النحل ونموذج يحتذى به ندعوا الله أن نراه في باقى دولنا العربية.