خدعة عسل نحل المانوكا .. هل يستحق شراؤه | مقال د. علي خالد البراقي
د. علي خالد البراقي خبير دولي في تربية النحل – كندا
في يوم من الأيام في خريف عام 2019 كنت عائداً من نشاطاتي اليومية عند المساء ومعي على حمالة صغيرة عبوات من العسل المقطوف والمفروز والمعبأ حديثا من المنحل، وكنت بانتظار المصعد وكان بعض المنتظرين أيضا من سكان البناء، وإذا بأخ ممن يعمل في مجال خدمات السفر وتأمين بطاقات الطيران وغير ذلك وكنا قد تحدثنا مراراً في موضوع العسل وكان مهتما، لكن معلوماته قليلة حول العسل،
فدخل البهو وسلم وقال: ما نوع هذا العسل الذي معك الآن؟
رزق البنك الزراعي المصري
قلت له هذا عسل الأزهار البرية الكندية،
قال هل يمكنني أن أراه؟ فقلت تفضل،
فمد يده وتناول عبوة وقرأ معلومات اللاصقة التي تقول أنه عسل كندي طبيعي حيوي من الأزهار البرية، وتاريخ الانتاج واسم المنتج وغيره، فأعاد لي العبوة وهو يعرف أن كثيرين من سكان البناية أصبحوا يفضلون أن يشترون عسلنا لسبب الثقة، ولم يعودوا يشتروا العسل من السوبرماركت هو يعرف ذلك وقد اشترى منا أيضاً، لكنه مخدوع بالدعاية.
تنحينا جانباً وجاء المصعد مرات ومرات ونحن نتحدث ويشاركنا بعض القادمين بعد أن رغب بالاستفسار وهو يريد أن يقول لي شيئا وهو خجل.
وأخيرا مد يده وأخرج كرتونة مزخرفة معلقا عليها عبوة 1 كجم من العسل القاتم اللون وناولني اياها وقبل أن يقول لي شيئا.
قلت له أنت مخدوع يا صديق ثلاث مرات واحدة بأسلوب عرض العسل والتوضيب والتقديم وألوان الكرتونة والثانية بالماركة وهذا عسل المانوكا الذي تروجه في أنحاء العالم شركة نيوزلاندية تعرف كيف تسوق وتتلاعب بتوجيه أنظار المستهلكين لأمور سطحية وتتعلق بالمظهر والخدعة الثالثة بالسعر الخيالي.
هذه الأمور الثلاثة توحي للأثرياء ولمن لديهم فائض من المال والذين يظنون أن جودة السلعة تتناسب طرداً مع ارتفاع الثمن والذي غالبا ما يكون مبالغا جداً فيه، كالماركات العالمية “Brand” من الألبسة والأطعمة والأحذية وغيرها.
فقلت له يا صديقي: هذا العسل لا يفرق شيئاً عن نوعي العسل الكندي الذي تذوقناه المرة الماضية عندنا، ولا عن أي عسل صافي صاغ في أنحاء الأرض من حيث التركيب العام.
وتختلف الأعسال باللون والقوام وبعض المركبات الزهيدة التي تتعلق بمصدر الرحيق.
وبعد أن رأيت السعر عليها قلت له: أنت الآن دفعت ثمن العسل خمس مرات تقريبا أزيد من السعر الحقيقي (وأحيانا السعر لعسل المانوكا يفوق عشرة إلى عشرين مثلاً متوسط سعر العسل بالمفرق لأي نوع من أنواع العسل الصافي في بلدان العالم) فقد دفعت ثمن 3000 حريرة نحو 100$ وكان بإمكانك أن تشتري 15000 حريرة بالسعر نفسه الذي دفعته!!!.
فهل ترى كم أنت مغبون؟؟؟ قال متعجباً حريرة!!! قلت نعم حريرة…! فالعسل مصدر طاقة أولا ثم فيه مواد مفرزة من النحل متشابهة ومنها من الرحيق المتشابه عموماً أيضاً مع بعض الاختلافات في مركبات رهيفة بالآثار.
قال: هل تعرف أني أريد تقديم هذا هدية لشخص رفيع عزيز علي وعليك كثيرا وأنا مسافر هذا الأسبوع، قلت له يا صاحبي من ستهدي إليه سيقول لك حبذا لو أتيت لي بعسل من بلدك الذي تقيم به وهو يعرف بعض أنواع عسل كندا التي أُهديت إليه من آخرين.
وسيقول لك أيضا نظرا لمعرفته بالعسل أن هذه الشركات هدفها جذب المستهلك للعبوة و”الامبلاج” أكثر من قيمة المادة الموظبة.
فالمظهر هو ما يخدع الناس للأسف اليوم وينسون الجوهر..!!! وهكذا حدثني عند عودته.
هذا العسل المبالغ بشكل خيالي في سعره عسل المانوكا الذي تسوقه وتتبناه شركة ما لها وكلاء في كل أنحاء العالم !!!
ووضعت له هذه الدعايات وأفردت له تحاليل لتقدير مادة من مركبات المواد الغذائية فيه أسمتها Methylglyoxal, (MGO) تقاس بالـملجم/كجم، تتراوح النسبة من 00-850 وحدة فأكثر أحيانا حسب قولهم.
وما أهمية هذه المادة…حقيقة لا شيء…معيار للترويج ليس إلا…وحددت الأسعار على نسبتها في كل نوع من عسل مانوكا منتج في مناطق معينة في نيوزيلندا وأستراليا حيث تنشأ هذه الشجيرة التي تسمى شجيرة المانوكا أو الشاي واسمها العلمي:
Leptospermum scoparium
وهي شجيرة حراجية تزيينية دائمة الخضرة، ومنها عدة أصناف وألوان للأزهار تتراوح بين الأبيض والوردي والأحمر.
وللعلم أن قانون نيوزيلندا يمنع استيراد أي نوع عسل إليها، فمن منع هذا وحاول أن يغزو عسل المانوكا كل دول العالم؟؟؟؟
سؤال يرسم الإجابة ليس من النحالين وجمعيات النحل فحسب، بل من الجهات التي تراقب الغذاء والتجارة الحرة في العالم!!!، كذلك فشركات التسويق الإلكتروني العالمية الكبرى عبر العالم كـ: Amazon، ebay وغيرها يسوق فيها هذا العسل أيضا.
وتدريجه في مواصفات تحليلية ويقولون تبعا لنسبة هذه المادة خداعا باسم العلم والتحليل MGO 850+ أو أرقاما أقل ويصبح ثمن 250 جراما من العسل نحو 100$ دولار أمريكي.
ولديهم معيار مخادع أخر يسمونه: Unique Manuka Factor “عامل مانيوكا الوحيد” وله معدلات أيضا ويكتبونها على العبوة…فهذه أساليب غير شريفة في الكسب..وخداع للمستهلك يجب أن لا ترضاه الجهات الرقابية الغذائية…لمواد ليست ذات قيمة غذائيا أو دوائيا..
إنما هي مهارة بالخداع والتسويق لكن في عالم الفساد يصبح المفسد كريما والفاسد مرتشيا ويمرر كل شيء وضمن القانون، وأحيانا في لجان المواصفات تجد أعضاء من تلك الشركات الكبرى والجمعيات المنتسبين إليها أعضاء في لجان وضع المواصفات وتضيع الأمور بين الحقيقة والقانون الموضوع من قبل المجرم فكيف سيصيغ هذا قانونا يجرمه؟!.
هكذا التهويل لعسل السدر أيضاً، وبعض الأعسال المحلية في أنحاء العالم، التي تباع بسعر اعتيادي كأي نوع عسل في الهند وباكستان وبعض بلدان انتاجه الأخرى ويباع في السعودية وبعض بلدان الخليج العربي وغيرها بأسعار خيالية لا لشيء إلا بسبب الدعاية وارتفاع دخل الفرد في هذه البلدان وكذلك قلة إنتاجه وقلة توافره مقارنة بحجم الطلب الكبير.
وكم من أعسال مغشوشة أيضا وفيها النكهات والملونات! وكم من الماركات المصنوعة من السكر ولم تر النحل ولم يراها.
لا شك لدى كل مؤمن أن في العسل الحقيقي ومنتجات خليه النحل شفاء، كما قال الله تعالى: فيه شفاء للناس.
كندا – تورونتو: 30-05-2020